سورة الحج - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{ذَلِكَ بما قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10)}
{يَفْعَلْ ذلك} أي ما ذكر من ثبوت الخزي له في الدنيا وإذاقة عذاب الحريق في الأخرى، وما فيه من معنى البعد للإيذان بكونه في الغاية القاصية من الهول والفظاعة، وهو مبتدأ خبره قوله تعالى: {ا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} أي بسبب ما اكتسبته من الكفر والمعاصي، وإسناده إلى يديه لما أن الاكتساب عادة يكون بالأيدي، وجوز أن يكون ذلك خبرًا لمبتدأ محذوف أي الأمر ذلك وأن يكون مفعولًا لفعل محذوف أي فعلنا ذلك إلخ وهو خلاف الظاهر، والجملة استئناف لا محل لها من الإعراب، وجوز أن تكون في محل نصب مفعولة لقول محذوف وقع حالًا أي قائلين أو مقولًا له ذلك الخ، وعلى الأول يكون في الكلام التفات لتأكيد الوعيد وتشهيد التهديد {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ} الظاهر أنه عطف على ما وبه قال بعضم، وفائدته الدلالة على أن سببية ما اقترفوه من الذنوب لعذابهم مقيدة بانضمام انتفاء ظلمه تعالى إليه إذ لولاه لأمكن أن يعذبهم بغير ما اقترفوا لا أن لا يعذبهم بما اقترفوا، وحاصله أن تعذيب العصاة يحتمل أن يكون لذنوبهم ويحتمل أن يكون لمجرد إرادة عذابهم من غير ذنب فجيء بهذا لرفع الاحتمال الثاني وتعيين الأول للسببية لا لرفع احتمال أن لا يعذبهم بذنوبهم لأنه جائز بل بعض الآيات تدل على وقوعه في حق بعض العصاة، ومرجع ذلك في الآخرة إلى تقريع الكفر وتبكيتهم بأنه لا سبب للعذاب إلى من قبلهم كأنه قيل: إن ذلك العذاب إنما نشأ من ذنوبكم التي اكتسبتموها لا من شيء آخر.
واختار العلامة أبو السعود أن محل أن وما بعدها الرفع على الخبرية لمبتدأ محذوف أي والأمر أنه تعالى ليس عذب لعبيده من غير ذنب من قبلهم، والجملة اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبلها، وقال في العطف: للدلالة على أن سببية إلخ أنه ليس بسديد لما أن إمكان تعذيبه تعالى لعبيده بغير ذنب بل وقوعه لا ينافي كون تعذيب هؤلاء الكفرة المعينة بسبب ذنوبهم حتى يحتاج إلى اعتبار عدمه معه، نعم لو كان المدعى كون جميع تعذيباته تعالى بسبب ذنوب المعذبين لاحتيج إلى ذلك انتهى.
وتعقب قوله: إن إمكان إلخ بأن الكلام ليس في منافاة ذينك الأمرين بحسب ذاتهما بل في منافاة احتمال التعذيب بلا ذنب لتعين سببية الذنوب له وقوله نعم لو كان المدعى إلخ بأن الاحتياج إلى ذلك القيد في كل من الصورتين إنماهو لتقريع المذنبين بأنه لا سبب لتعذيبهم إلا من قبلهم فالقول بالاحتياج في صورة الجميع وبعدمه في صورة الخصوصية ركيك جدًا، وتعقب أيضًا بغير ذلك، والقول بالاعتراض وإن كان لا يخلو عن بعد أبعد عن الاعتراض، والتعبير عن نفي تعذيبه تعالى لعبيده من غير ذنب بنفي الظلم مع أن تعذيبهم بغير ذنب ليس بظلم على ما تقرر من قاعدة أهل السنة لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه سبحانه من الظلم وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في صورة المبالغة في الظلم، وقيل: هي لرعاية جمعية العبيد فتكون للمبالغة كما لا كيفا.
واعترض بأن نفي المبالغة كيفما كانت توهم المحال، وقيل: يجوز أن تعتبر المبالغة بعد النفي فيكون ذلك مبالغة في النفي لا نفيًا للمبالغة، واعترض بأن ذلك ليس مثل القيد المنفصل الذي يجوز اعتبار تأخره وتقدمه كما قالوه في القيود الواقعة مع النفي، وجعله قيدًا في التقدير لأنه عنى ليس بذي لم عظيم أو كثير تكلف لا نظير له، وقيل: إن ظلامًا للنسبة أي ليس بذلك ظلم ولا يختص ذلك بصيغة فاعل فقد جاء:
وليست بذي رمح ولست بنبال ***
وقيل غير ذلك.


{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)}
{وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} شروع في حال المذبذبين أي ومنهم من يعبده تعالى كائنًا على طرف من الدين لا ثبات له فيه كالذي يكون في طرف الجيش فإن أحس بظفر قر وإلا فر ففي الكلام استعارة تمثيلية، وقوله تعالى: {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} إلخ تفسير لذلك وبيان لوجه الشبه، والمراد من الخير الخير الدنيوي كالرخاء والعافية والولد أي إن أصابه ما يشتهي {اطمأن بِهِ} أي ثبت على ما كان عليه ظاهرًا لا أنه اطمأن به اطمئنان المؤمنين الذين لا يزحزحهم عاصف ولا يثنيهم عاطف {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} أي شيء يفتن به من مكروه يعتريه في نفسه أو أهله أو ماله {انقلب على وَجْهِهِ} أي مستوليًا على الجهة التي يواجهها غير ملتفت يمينًا وشمالًا ولا مبال بما يستقبله من حرار وجبال، وهو معنى قوله في الكشاف: طار على وجهه وجعله في الكشف كناية عن الهزيمة، وقيل هو هاهنا عبارة عن القلق لأنه في مقابلة اطمأن، وأيًا ما كان فالمراد ارتد ورجع عن دينه إلى الكفر.
أخرج البخاري. وابن أبي حاتم. وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال في هذه الآية: كان الرجل يقدم المدينة فإذا ولدت امرأته غلامًا ونتجت خيله قال: هذا دين صالح وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء، وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم من الإسلام فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني فقال عليه الصلاة والسلام: إن الإسلام لا يقال فقال: لم أصب من ديني هذا خيرًا ذهب بصري ومالي ومات ولدي فقال صلى الله عليه وسلم: يا يهودي الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة فنزلت هذه الآية، وضعف هذا ابن حجر، وقيل: نزلت في شيبة بن ربيعة أسلم قبل ظهوره عليه الصلاة والسلام وارتد بعد ظهوره وروى ذلك عن ابن عباس، وعن الحسن أنها نزلت في المنافقين {خَسِرَ الدنيا والاخرة} جملة مستأنفة أو بدل من {انقلب} كما قال أبو الفضل الرازي أو حال من فاعله بتقدير قد أو بدونها كما هو رأي أبي حيان، والمعنى فقد الدنيا والآخرة وضيعهما حيث فاته ما يسره فيهما.
وقرأ مجاهد: وحميد. والأعرج. وابن محيصن من طريق الزعفراني. وقعنب. والجحدري. وابن مقسم {خاسر} بزنة فاعل منصوبًا على الحال لأن إضافته لفظية، وقرئ {خاسر} بالرفع على أنه فاعل {فِتْنَةٌ انقلب} وفيه وضع الظاهر موضع المضمر ليفيد تعليل انقلابه بخسرانه، وقيل: إنه من التجريد ففيه مبالغة، وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هو خاسر، والجملة واردة على الذم والشتم {ذلك} أي ما ذكر من الخسران، وما فيه من معنى البعد للإيذان بكونه في غاية ما يكون، وقيل أن أداة البعد لكون المشار إليه غير مذكور صريحًا {هُوَ الخسران المبين} أي الواضح كونه خسرانًا لا غير.


{يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (12)}
{يَدْعُواْ مِن دُونِ الله} قيل استئناف ناع عليه بعض قبائحه، وقيل استئناف مبين لعظم الخسران، ويجوز أن يكون حالًا من فاعل {انقلب} وما تقدمه اعتراض، وأيًا كان فهو يبعد كون الآية في أحد من اليهود لأنهم لا يدعون الأصنام وإن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله.
والظاهر أن المدعو الأصنام لمكان ما في قوله تعالى: {مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ} والمراد بالدعاء العبادة أي يعبد متجاوزًا عبادة الله تعالى ما لا يضره إن لم يعبده وما لا ينفعه إذا عبده، وجوز أن يراد بالدعاء النداء أي ينادي لأجل تخليصه مما أصابه من الفتنة جمادًا ليس من شأنه الضر والنفع، ويلوح بكون المراد جمادًا كذلك كما في إرشاد العقل السليم تكرير كلمة ما {ذلك} أي الدعاء {هُوَ الضلال البعيد} عن الحق والهدى مستعار من ضلال من أبعد في التيه ضالًا عن الطريق.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8